مشاهدة النسخة كاملة : عمارة بالمواد الطبيعية رائدها مصري وهي متطلعات الغرب في المستقبل


مهندس فارس بلاجواد
01-21-2008, 03:58 PM
http://www.almuhands.org/forum/imgcache2008/74557.almuhands.org (http://www.casimages*****)
عميد المعماريين عند الغرب فهل العرب يعرفون نظرية هذا المعماري الذي

ادهش الغرب في نظريته المعمارية لحل مشاكل السكن كلفة وجودة

انظر تحت قدميك وابنِ
منقول من موقع اسلام اون لاين
2002/06/09


*محمد عبد الحميد

حسن فتحي

عندما ابتعث الرائد المعماري "حسن فتحي" نمط بيوت النوبة المبنية بالطين والمسقفة بالقبب والأقبية في بداية الأربعينيات لم يكن يخترع شيئًا من عدم، ولم يكن يبتعثه أيضًا كفلكلور يبغي منه أن يحوز إعجاب الأثرياء والأجانب لما يجدون فيه من غرابة وطرافة، إنما كان هذا نابعًا من مسئوليته كمهندس معماري يقوم بدور رائد وهو إحياء التراث المعماري المحلي للعمارة الشعبية المصرية؛ إذ وجد فيه الحل المناسب إن لم يكن الأمثل لمشكلة شديدة الإلحاح وهي توفير بيت لكل فلاح فقير في الريف المصري، بتكلفة اقتصادية منخفضة تناسب دخل هذا الفلاح، على ألا تنتقص هذه التكلفة المنخفضة من حق هذا الفلاح في أن يكون له بيت متين وواسع ومريح وجميل.

جماليات البسطاء

فالبيوت المبنية بالطوب اللبن والمسقفة بالقبب والأقبية حازت جدارة ليس لما فيها من جماليات معمارية فقط، بل ولنتائجها الاقتصادية الجيدة حين تم إخضاعها للحسابات الاقتصادية في التكلفة، والحسابات العلمية والهندسية في المتانة وتصميمات البناء، بالإضافة إلى تناسبها وتجاوبها مع البيئة المحيطة، فخامة الطين التي تُعَدّ مادة البناء الأساسية في هذه البيوت خامة موجودة ومتوفرة في البيئة الريفية من هنا تنعدم تكلفتها تقريبًا، وقد أثبتت البحوث العلمية التي أجراها حسن فتحي على هذا النمط من البناء مدى قوة خاماته وتناسب تصاميمه.. من ذلك تلك الشواهد التاريخية التي تمثلت في بعض العمائر والبنايات والبيوت التي بقيت على الأرض المصرية، مثل: مخازن قمح الرامسيوم بالأقصر التي يعود تاريخها إلى أكثر من 2500 سنة، وهي مبنية بخامة الطوب اللبن ومسقفة بالقبب والأقبية؛ إذ أفصحت بالدليل الواقعي أن هذه الخامة والتصميمات من القوة والمتانة بما جعلها تعيش آلاف السنين.

وإذا كانت بيوت النوبة التي لا يختلف على جمالها ومتانتها وحسن تصاميمها مبنية بالطين والطوب اللبن فقد استنتج حسن فتحي أن العطن والعتمة في بيوت الفلاحين الفقراء ليسا راجعين لكونها من الطين، بل يرجعان إلى الطريقة العشوائية والمعوزة التي يبني بها الفلاح بيته من دون مرشد معين بعد أن انقطع عن تراثه، وفي نفس الوقت لم تُعنَ العلوم المعمارية الحديثة بتقديم حلول مرشدة له في بناء بيته في حدود اقتصادياته وإمكانات بيئته.

فالفلاح المصري الفقير إذا كان يستطيع أن يبني جدران بيته من الطين، فهو لم يكن لديه في حدود خبرته وإمكاناته أن يتغلب على مشكلة تسقيف بيته، فالأخشاب التي يسقف أغنياء القرية بها بيوتهم لم تكن متوافرة في البيئة وتكلفتها ليست باستطاعة الفلاح، ومن ثَم فقد كان الفلاح إما أن يسقف بيته بحزم "البوص" (الغاب)، وهو سقف هش تنشأ عنه مشكلات كثيرة ولا يفي بالغرض، أو يتركه هكذا عاريًا، فطريقة التسقيف بنفس الخامة التي بنيت بها حوائط البيوت "الطين" على هيئة قبب كان الفلاح قد انقطع عنها ولا يعرف مهارات بنائها، وقد ظلَّت هذه الطريقة في النوبة وإن كانت متوارية عن باقي قرى الريف المصري، ولا يعرف مهارات بنائها إلا البنَّاءون النوبيون الذين لم يكن يطلبهم أحد أو يوجههم؛ لتعميم طريقتهم الرخيصة والمتينة والجميلة في تسقيف البيوت في جميع القرى المصرية.

المعماري والدور المعكوس

وتمثل عطاء حسن فتحي في أنه استطاع كمعماري أن يعثر من داخل البيئة والتراث المحلي للعمارة الشعبية على تقنيات يحل بها مشكلة توفير بيت لأغلبية السكان في حدود اقتصادياتهم وإمكانات بيئتهم.

وهو بذلك كان يقوم بالدور الحقيقي للمعماري في مجتمعه، وهو البحث عن مواد وخامات وإمكانات البيئة التي ينبغي فيها الأخذ بخبرات الأجيال السابقة في البناء إذا كانت هذه الخبرات تقدم حلولاً اقتصادية ونافعة، وإدخال التطويرات والتحسينات عليها إذا لزم؛ ذلك لتكون مواكبة للتغيرات التي قد تكون طرأت على المجتمع والبيئة، وهو هنا يقوم تقريبًا بعكس الدور الذي يقوم به المعماري التقليدي الذي يفرض على عملائه مواد وتصميمات قد لا تتوافق مع اقتصادياتهم ومع بيئتهم، وهو يفعل ذلك لا لشيء إلا ليظل متسيدًا الموقف تجاه عميله، ويجعله دائمًا تحت رحمته، وهذا إن كشف فإنما يكشف عن الروح الانتهازية والمتسلطة التي تغلب على أداء دور المعماري التقليدي في مجتمعه، والاستلاب الكامل أمام التصميمات والتقنيات الأوروبية في العمارة.

بيوت وتصاميم.. فلسفة العمارة

وقد تميزت البيوت التي بناها حسن فتحي وظلَّ يدعو للأخذ بها والتي استوحاها من بيوت النوبة بأنها متوافقة توافقًا كليًّا مع البيئة فهي -غير رخص تكلفة خاماتها- تحقق تهيئة مناخية رخيصة للمنزل ليس بحكم خاماتها المتوافقة مع البيئة فقط، بل بحكم توافق تصميماتها، فالبيت من هذه البيوت يستمد تهويته وإضاءته من فناء داخلي تنفتح عليه نوافذ البيت من الداخل، وهذا يقي أهل البيت من الأتربة والتيارات الهوائية غير المستحبة، فضلاً عن ذلك فإن هذا الفناء يحقق خصوصية البيت وحرمته التي تتوافق مع القيم الدينية والأخلاقية لساكنيه، وهاتان الوظيفتان ما كانت تحققهما تصميمات البيوت الحديثة التي يضعها المعماريون التقليديون من كونها تستمد فلسفة تصميماتها من العمارة الأوروبية التي تفضل -تبعًا لتوافقها مع بيئتها- الانفتاح على الخارج.

وهذه بعض من كل المميزات التي تتميز بها البيوت التي دعا إليها حسن فتحي، والتي أفاض في وصف ميزاتها الكثيرة البنائية والوظيفية والجمالية في كتابة "عمارة الفقراء" على أن اقتصاديات البناء في بيوت حسن فتحي لم تكن تقف عند ذلك، بل إن حسن فتحي دعا لنظام تعاوني في بناء القرى، وهو تطوير لتقليد كان يسود بين فلاحين القرى المصرية؛ إذ كان كل فلاح يقوم ببناء بيته يلقى دعمًا ومؤازرة من الجماعة، وكان حسن فتحي يقول دائمًا: إن فردًا واحدًا لا يستطيع بناء بيت بمفرده، ولكن عشرة أفراد قادرون على بناء عشرة بيوت.

قرنة الأقصر.. إثبات النظرية

وفي النصف الثاني من عقد الأربعينيات بنى حسن فتحي قرية القرنة بالأقصر تبعًا لطريقته في بناء بيوت الفلاحين، وأثبت على نطاق واسع وواقعي أن بناء القرى بالطوب اللبن تقل تكاليفه عن البناء بأي مادة صناعية أخرى، فضلا عن تناسب هذا البناء مع البيئة المحيطة، وإن كان الفلاحون لم يسكنوا في هذه القرية فهذا راجع لأنهم أرادوا أن يبقوا في قريتهم القديمة، حيث تقع فوق المقابر الأثرية التي كان يسرقون محتوياتها وتحقق لهم مكاسب كبيرة دون أي جهد أو عناء لا لسوء في مباني حسن فتحي، ولكنه الحلف الذي تكون من المهندسين والمقاولين الانتهازيين وكل من له مصلحة في تسيد طريقة البناء بالإسمنت، وفي البيئة المصرية راح يروج أن إعراض الفلاحين عن السكن في القرية الجديدة يرجع لسوء المباني التي بناها حسن فتحي.

ولم تكن الحكومات البيروقراطية فيما بعد يوليو 52 أفضل من الحكومات الملكية في موقفها من مشروعات حسن فتحي، فحين تقدم حسن فتحي بمشروع لبناء قرى للنوبيين المهجرين بعد غرق قراهم من جراء بناء السد العالي استبعدت مشروعاته رغم كل ما فيها من مميزات وبنت لهم الدولة بيوتًا إسمنتية شائهة وضيقة أشبه بعنابر السجون وكأنها تريد أن تعتقلهم فيها لا أن تقوم بإسكانهم، وبدلا من أن يبني حسن فتحي بيوت النوبيين استدعي لبناء استراحة للرئيس السادات في أسوان على طريقة المنازل النوبية؟! كما أوقف البناء في قرية باريس التي كانت مشروعًا من ضمن مشاريع حسن فتحي المجهضة في مصر بحجة عدم وجود ميزانية كافية لاستمرار البناء.

وفي أواخر حياته لم يكن أمام حسن فتحي سوى أن يحاول أن يودع علمه لدى بعض من تلاميذه لعلهم يكونون أوفر حظًا في تنفيذ أفكاره فحاول أن يؤسس معهدًا ليقوم بتدريس نظريته العمارة وتطبيقاتها التي أطلق عليها "تكنولوجيا البناء المتوافقة مع البيئة"، خصوصًا أن أفكار ونظريات حسن فتحي كانت تعد من المحرمات في أقسام العمارة بالجامعات المصرية، ولكن حتى هذا المعهد أجهض رغم النضال المستميت الذي بذله حسن فتحي في إنشائه.

لا يزال المنهج حاضرًا

ولكن قد يتساءل المرء: هل يمكن الاستفادة الآن من أفكار ونظريات حسن فتحي في العمارة؟ وخاصة أن خامة الطين التي كان يستند إليها في عمارته لم تعد موجودة في القرى المصرية، بل إن القرى المصرية الحالية امتلأت كلها عن آخرها ببيوت الإسمنت والخرسانة؟! وما نريد أن نؤكده أن حسن فتحي لم يرتبط بخامة الطين في مبانيه إلا في المباني التي كان يبنيها في بيئات متوفرة فيها هذه الخامة. وحينما كان يبني في الصحراء كان يبحث عن مواد بيئية توجد في البيئة الصحراوية، وهو ما حققه بالفعل حين كان يبني بالحجر في الصحراء، وقد دعا لاستخدام الطفلة التي توجد في الصحراء كخامة بيئية رخيصة وأفضل من أي خامة صناعية أو مستجلبة.

أما كون القرى المصرية التقليدية لم تعد فيها أي إمكانية لتنفيذ مشروعات حسن فتحي، فيمكن الاستفادة من أفكار ونظريات حسن فتحي في المجتمعات العمرانية الجديدة التي ستقام في الصحراء مثل قرى ومدن توشكي وغيرها وهي من الكثرة بحيث يجب التفكير في طريقة اقتصادية لبنائها؛ لأنها صارت الامتداد الوحيد للنمو السكاني والعمراني في مصر.

تابع في الموضوع:

*

حسن فتحي.. سيرة ذاتية

اقرأ أيضا:

*

حسن فتحي.. سيد البنَّائين

مواقع ذات صلة:

*

حسن فتحي
*

الحوار الصامت بين التقليد و الحداثة
*

أرشيف حسن فتحي بالجامعة الأمريكية

* صحفي مصري